هي سمراءُ البادية ، بداية نفحة رمال الصحراء تتراقص بين نوتات الأغاني، بدايةُ إمتزاج صقيع الأرز وصنين بدفء العرب ، يصنعان مناخاً معتدل الطرب.
هي تلك البدوية العصرية من زمن الإنفتاح ، زمن التيليكس ورُقيّ الحب وصحوة الشعوب الضالة.
هي ذلك الكُحل العربي الخجول تدلياً من عيونٍ مشرقية، هي عباءةٌ مطرّزةُ بخرزات موهبة ، وأوفٍ من عمق الأعماق. هي سميرة، من سامراء العراقة، وسُمرةِ الأبجدية، سميرة توفيق ، في الإسم الأول إرثٌ عائليّ من نظام بطريركية الأب، وفي الإسم الثاني، إستعارةٌ ، تيمناً بالملحن اللبناني توفيق البيلوني ، فحملت إسمهُ كجائزة وفاء تفوق جوائز الترضية المالية التي تُدفع في هذه الأيام الرضيّة اللامرضية.
سميرة توفيق، فنانة لبنانية، زيّنت فرانكوفونية التراث بلغة الضاد، وبلكنة البادية المنسية، فعرفت بـ"سمراء البادية"، لكونها أكثر من غنّى اللون البدوي وحملت فحواه في أفلامها. هي "بدوية في باريس" طبعاً، فبرج إيفل يليق به سماع صوت مشرقيٍّ من بلاد ديغوليّة الإنتماء، هي بطلة "عروس التحدي"، فالعرس عرس الذاكرة الفنّية اللبنانية ، هي "فاتنة الصحراء" ، "بنت عنتر" ، "عتاب" ، "بنت الشيخ"، "أيام في لندن" والكثير من القيم المضافة إلى مكتبة تاريخنا المتخم فخراً.
سميرة توفيق، فنانة بحجم العطاء وكبَرِ الكِبَر ، لم تنأ جهداً في أيّ يوم ، في إقتسام النِعم ومشاركة ثمرات الحياة. عُرف عنها على الدوام ، بصوت ذهبيّ ، قلباً أحمر جمّا، وأيادٍ من أبيض النقاء. سميرة توفيق، من إنحنت لها عروش العرب، وتواضعت أمامها تيجانهم المرصعة بالسلطة والجبروت، هي ذاتها سميرة التي لم تسكن فضاء أوهام أبداً، بل سكنت أرض الواقع بصلابة الإنتماء. هي المتواضعة الصريحة، التي لم تُسكرها خمرة نجومية، ولم يحرقها ضوء إهتمام مُفرط، هي ضيفتنا في كل مناسبة، نسمعها تُرحب بها بالـ"هلا" و"حساب الروح إيه والله"، هي دفا إلا في "برداني برده"، هي السمرة يا خفيف الروح، في كل مكان ، بين بيروت لجونية، لدمشق ، للآتي من حلب، ومن "وين" ع رام الله.
لوقفتها على المسرح قوة طعم الهال العابق في فنجان ، يبصمُ التاريخ في قعرهِ، ليعلم مستقبلاً حليفهُ النجاح، لطلتها على الشاشة، روعة الحنّة المرسومة بريشة يمنيّة وحبر من رمال مصر، لصوتها طبقات تعلو بتراتبيّة الألحان، لها عُدلت قوانين الطرب ومن أجلها أوقف العمل بقانون محدودية الجمهور.
سميرة توفيق من صفّ العمالقة، ومن صفوة الإلتزام، هي من تحترم مواعيد التصوير و تضبطها بتوقيت الأخلاق المهنية، هي التي لم ترتكب معصية الغيرة أو خطيئة الحسد المهني، كانت وما تزال على قدر متطلبات الفن وقواعده السامية وهذا ما أثبتته أخيراً في مهرجان ربيع سوق واقف حيث أبدعت في حفلاتها هناك وتم تكريمها . هي اليوم أقرب إلى العائلة والأحباء، تحت عباءتها الشرقية، تحتمي محبة وألفةُ عائلة كبيرة تنتمي إلى ثقافة عيشها المتمركزة في أرجاء الأمكنة حيث يجتمعون، تمتهن الأمومة كإمتهان الفن وأكثر، يعشقها القريب ، كيف لا؟!، و هي من لاقت عشقاً من بقاع الكون برمته وإختصر تكريمها خلال الصيف الماضي من بلدية الحازمية كل التكريمات والذي أثمر شارعاً يحمل إسمها .
في كل مرة تذكر فيها إسم سميرة توفيق، لا يمكن لك إلا أن تعيش كفارس يسرج خيله أمام عرش زنوبيا ، في كل مرة تسمعها، لا يمكن إلا أن تصحو كبوة الشوق الخليجي، في كل مرةٍ تشاهدها، تميل إلى قلبك لغة الضاد بخطّها الكوفي، سميرة كريمونا، إسم ولد في بيروت ، كبُر في لبنان، وسيعيش في الوطن العربي كما في الوجدان طالما أن هناك عوداً تتدوزنُ أوتارهُ، طالما هناك مزماراً يغازل هواء وهوى، طالما أن لبنان سرمدي الوجود.
في عيد سميرة توفيق، نجنّد لها الأقلام، ونستنفرُ من أجلها الحبر، نعايدها بحلو الكلام وأطايب المشاعر، نتمنى لها طول العمر ومديد النجاح، فهي نجمة في الغناء والسينما والمسرح، كما هي نجمة في إنسانيتها ومحبتها . لسميرة توفيق، سلام الكلام، نطفئ معها شموعاً لا تخفت، ونبادرها العطاء بالوفاء، نهديها مسامعنا، حنين ماضينا، ذكرياتنا، جراحنا المندملة، أفراحنا المستدامة، نهديها كيان الوطن وجوائز إنتصاراته.
لسمراء البادية تحيّة، بسمرة الجبين وأبيض القلب.